فوائد روحية وصحية لصلاة الفجر
--------------------------------------------------------------------------------
من أعجب الأشياء أن تعرفوا ربكم ثم لا تحبوه، وأن تسمعوا داعيه ثم تتأخروا عن إجابته، وأن تعرفوا قدر الربح في معاملته ثم تعاملوا غيره، وأن تعرفوا قدر غضبه ثم تتعرضوا له، وأن تذوقوا ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلبوا الأنس بطاعته، وأن تذوقوا عَصْرَةَ القلب عند الخوض فى غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاقوا إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوقوا العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهربوا منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه!! وأعجب من هذا: علمكم أنكم لابد لكم منه وأنكم أحوج شيء إليه وأنتم عنه معرضون وفيما يبعدكم عنه راغبون"(1).
وإليكم بعض القربات التي تقربنا إلى الله تعالى :
أولاً: المحافظة على صلاتى العشاء والصبح:
فما أعظمه من ثواب مع يسر ما بذل فيه من جهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله ) (2) .
الفوائد الروحية:
الحفظ في ذمة الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ) (3).
وتأملوا معي قوله "ذمة الله" فهي ليست ذمة ملك من ملوك الأرض لأنه وإن علا ملكه وتوقفت مراكب السير تعظيماً وتبجيلاً له لاتزال فيه حقارة الأرض وذلة الأرض والضعف الكائن في المخلوق من تراب الأرض، وإنما هى ذمة مالك الملك ورب الأرباب وخالق الأرض وما عليها لك والواصف نفسه سبحانه قائلاً: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } [ الزمر:67 ] .
ذمة الله هي الذمة التي لا يستطيع أحد خرقها بل مسها، تحيط المؤمن بسياج من الحماية له في نفسه وولده وعقله ودينه وسائر أمره، فيحس بالطمأنينة في كنف الله، ويشعر أن عين الله ترعاه وأن قوته تحفظه، فيمضي يومه واثق الخطى ثابت الجنان عديم الوجل من كل من دب على وجه الأرض.
نور يوم القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بشر المشائين في الظُلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) (4).
والنور على قدر الظلمة
فمن كثر سيره في ظلمة الليل إلى الصلاة عظم نوره وعمّ ضياؤه يوم القيامة.
والمؤمن يعلم أن مقاساة الظلمة هنا هى ثمن النور هناك، وأن سيره في ظلمة الليل إلى المساجد، إنما يدخر الأنوار له ليوم تضيء فيه الصراط فيعبره إلى الجنة.
وليست أنوار المؤمنين يوم القيامة على درجة واحدة من الشدة والقوة، بل تتفاوت بتفاوت الإيمان، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يُعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يُعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من ُيعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يُعطى نوره دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يُعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة ) (5).
د*** الجنة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى البردين دخل الجنة ) (6). والبردان هما صلاة الفجر والعصر .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "وسميا بالبردين لأنهما تصليان في بردي النهار، وهما طرفاه حين يطلب الهواء وتذهب صورة الحر أي شدته"(7).
ولأن النفس تخلد في هذين الوقتين للراحة والرقاد وتستصعب النشاط والقيام فقد استحثها النبى صلى الله عليه وسلم وحفزّها بهذه البشارة العظيمة.
تقرير مشرف :
وأنتم على موعد مع الله كل يوم في صلاة الفجر والعصر، لتقدموا له تقريراً يومياً تكتبونه بأيديكم شاهداً به عليكم، مجددين العهد مع ربكم الذي يسأل كل يوم عنكم ويتفقد أحوالكم عن طريق ملائكة أبرار أطهار وهو أعلم بكم منهم لكنه يسأل براً ولطفاً وإحساناً وتقرباً، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) (8).
ثواب النافلة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ) (9).
وهما ركعتا سنة الفجر، ولما كان الفرض أحب ما تقرب به العبد إلى ربه، فثوابه أعظم وربحه أوفر، وإذا قال "خير من الدنيا وما فيها" فكن على يقين أن قوله الحق، لا يبالغ في تصوير، ولا ينطق عن هوى، تنزه عن ذلك، كيف وإن هو إلاّ وحي يوحى؟ ويد الله ملأى، وخزائنه لا تنفد، وملكه لا ينقصه شيء إلاّ كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فينظر بم يرجع؟
رؤية الله في الجنة:
وما أعطى الله أهل الجنة نعيماً أحب إليهم من النظر إلى وجهه الكريم، وهو شرف أجل من أن يخطر ببال أو يدور في خيال، فأي نعيم وأي لذة وأي فوز وأي قرة عين، والله ما طابت الجنة إلاّ بهذا ولا تم نعيمها إلاّ به. نعم، هذا الشرف حازه أهل صلاة الفجر كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم : ( أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) ، ثم قرأ: { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ءاناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى 130 } [ طه : 130 ] (10).
قال الحافظ ابن حجر: "وجه مناسبة ذكر هاتين الصفتين عند ذكر الرؤية أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين من الفضل على غيرهما، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازى المحافظ عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى الله تعالى"(11).
زاد الدنيا والآخرة:
ولما كان الوقت الذي يعقب صلاة الفجر أكثر الأوقات بركة، فقد حرص النبى صلى الله عليه وسلم على اغتنامه وشغله بالذكر، فكان يجلس بعد صلاة الفجر يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين، ويبشر أصحابه إن هم فعلوا ذلك بأن لهم أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
ولقد حرص سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم على التزام سنة النبى صلى الله عليه وسلم .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما نقل عنه تلميذه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله يذكر الله في هذا الوقت المبارك ويقول: "هذه غدوتي ولو لم أتغد الغذاء سقطت قوتي"(12).
وهذا الوقت وقت البركة الوفيرة في الرزق، ولهذا نجد أصحاب المهن والحرف والتجارة حريصين على اغتنام هذا الوقت، فعن صخر الغامدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) (13).
قال صخر: وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار، وكان صخر تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعثها أول النهار، فكثر ماله، ولا يعني ذلك أن النائم لا يُرزق، بل إن الله يرزق البر والفاجر والمؤمن والكافر، لكن البركة كنز لا يناله إلاّ المستيقظون في هذا الوقت، الذي يفيض بالبركة على أهله.. وبركة في المال فلا فقر، وفي الصحة فلا مرض، وفي العزيمة فلا وهن، وفي الوقت فلا ضيق، وفي العقل فلا شطط .
الفوائد الصحية:
أما الفوائد الصحية التى يجنيها الإنسان بيقظة الفجر فهي كثيرة منها:
تكون أعلى نسبة لغاز الأوزون في الجو عند الفجر، وتقل تدريجياً حتى تضمحل عند طلوع الشمس، ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي، ومنشط للعمل الفكري والعضلى.
نسبة الأشعة فوق البنفسجية تكون أعلى ما يمكن عند الفجر، وهذه الأشعة تحرض الجلد على صنع فيتامين "د"، كما أن للون الأحمر تأثيراً باعثاً على اليقظة.
نسبة "الكورتيزون" تكون في الدم أعلى ما يمكن وقت الصباح وأقل ما يمكن وقت المساء.
---------------