دلع الامارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


....
 
الرئيسيةالبوابةالتسجيلأحدث الصوردخول

 

 من أسس الاجتماع السياسي الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر




من أسس الاجتماع السياسي الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: من أسس الاجتماع السياسي الإسلامي   من أسس الاجتماع السياسي الإسلامي Icon_minitimeالإثنين أبريل 28, 2008 10:47 pm

لما كان الإسلام "لا يهدف من خلال دعوته – عقيدة وشريعة – إلى مجرد تكوين أفراد مؤمنين به على مستوى حياتهم الشخصية تاركا لهم وشأنهم فيما يرون في قضايا الإنسان والمجتمع والعالم العامة، دون أن يكون لهم منهج وموقف في هذه الشؤون. ولا يهدف إلى تكوين جماعات من هؤلاء المؤمنين منغلقة على نفسها تعيش حياة انفعال بمحيطها واستجابة له دون أن تفعل وتؤثر فيه وتتفاعل معه. وإنما يهدف إلى تكوين مجتمع سياسي ملتزم بقضية الإسلام وأهدافه، وبقضية الإنسان على ساحة العالم بما هو إنسان؛ انطلاقا من الفرد المسلم والجماعة المسلمة إلى مستوى المجتمع المسلم الملتزم. فقد وضع Q تعالى تشريعات تنظم حياة الفرد من جميع وجوهها وتشريعات للأسرة والمجتمع، وهذه التشريعات مترابطة فيما بينها تؤلف كلا واحدا يجعل من تشريعات الفرد والأسرة جزءا من التشريع العام للمجتمع، ويجعل من تشريعات المجتمع مسؤولية على الأفراد. وقد وجه Q تعالى خطابات الأمر والنهي إلى الأمة وإلى النبي e، وهذا يعني أن الأمة – بما هي أمة – هي المكلفة بتنفيذ هذه الأوامر والنواهي.

"ومجتمع من هذا القبيل يتحمل أفراده مسؤوليات تتجاوز حياتهم الخاصة، ويتحمل هو مسؤوليات تتجاوز كيانه الخاص وأعضاءه يستحيل من الناحية الموضوعية أن يوجد وأن يستمر وأن يحقق أهدافه دون أن تكون له دولة ونظام وحكومة".[1]

ومجرد وجود مجتمع على هذا النحو يعني وقوف العالم كله ضده كما حدث منذ قيام أول دولة للإسلام في المدينة، وحتى سقوط الخلافة عام 1924 لأن هذه الجماعة أو هذه الأمة لها وظيفة كفاحية هي نشر هذه الدعوة والحفاظ عليها؛ فلابد أن تصطدم بكافة القوى المعادية للحق، ولابد من الجهاد. وليس معنى ذلك أن الجهاد هو وسيلة نشر الدعوة؛ وإنما هو وسيلة القضاء على المعوقات التي تحول بين الناس وبين الاستماع إلى الدعوة من جهة، وحماية الدعوة من جهة أخرى. ذلك أن العقيدة هي إذعان القلب وتسليم النفس، وهذا لا يمكن أن يتأتى دون اقتناع؛ إنما شتى القوى المستكبرة في الأرض والتي لا تريد الانصياع للحق؛ بل تبغي استمرار سيطرتها على العالم واستغلاله سوف تحارب هذه الدعوة حربا لا هوادة فيها ما لم ترهبها القوة؛ ولذلك فمجرد وجود دار للكفر يعني انقطاع الأمن بين المسلمين والكفار؛ ولذلك كان مصطلح "دار الكفر" مرادفا لمصطلح "دار الحرب" وفي الأصل فإن دار الإسلام تعني الأرض التي تقام فيها شعائر الإسلام، ودار الكفر هي الأرض التي لا تقام فيها شعائر الإسلام أو تقام فيها شعائر الكفر؛ ولذلك انقسمت المعمورة عند الفقهاء إلى دارين: دار الإسلام، ودار الحرب؛ ثم لما قويت شوكة الإسلام وسعى له بالسلم جيرانه، انقسمت دار الكفر إلى دارين: دار الحرب، ودار العهد؛ فأصبحت المعمورة بذلك ثلاثة دور: دار الإسلام، ودار الحرب، ودار العهد؛ وهي تلك المجتمعات التي التزمت مع دار الإسلام بعهود صلح أو مواثيق سلام.

ولما كان المسلمون أمة، والأمة في أصل اللسان من أَمَّ أي قصد؛ فالأمة هي الجماعة على المقصد أي الجماعة من الناس التي لها هدف واحد أو مقصد واحد؛ وبذلك فإن دار الإسلام التي هي مرادف لأمة الإسلام "ليس لها وطن جغرافي خاص ومحدد بحدود ثابتة؛ لأنها لم تتكون على أساس عرقي أو لغوي أو أي أساس آخر للاجتماع البشرى يقوم على الانتساب إلى أرض معينة في حالة سابقة على تكوين الأمة ليقال إن أرضه هي أرض الأمة. لقد تكونت الأمة المسلمة على أساس اعتقاد الإسلام والالتزام به عقيدة وشريعة دون أي اعتبار آخر، وسيبقى أساس تكونها دائما هو الإسلام دون أي شيء آخر مستقل عن الإسلام أو منضم إليه. ولذلك فإن الأمة المسلمة في حالة تكون مستمر، ولن تكتمل إلا إذا استوعبت الجنس البشري كله. وهي لذلك كيان مفتوح لاستيعاب مسلمين جدد، وليست منغلقة على أقوام مخصوصين لا تتعداهم إلى غيرهم؛ لأنها أمة إجابة تحمل مهمة الدعوة الموجهة إلى أمة الدعوة وهم غير المسلمين المدعوين للدخول في الإسلام".[2]

على أن هذا يعني من جهة أخرى استمرار الصراع بين الإسلام والكفر.


الردة خيانة عظمى



وفي ضوء ذلك نستطيع أن نفهم لماذا اعتبر الشرع الردة جريمة يعاقب عليها؟ إذ لماّ كان هذا المجتمع مجتمعا عقيديا ملتزما برسالة معينة؛ فإن الخروج عن هذه الرسالة يعد بمثابة خيانة عظمى؛ لأنه خروج على أسس المجتمع، وانسلاخ عن قيمه، واستهزاء بها، والتحاق بأعدائه المتربصين به الدوائر. نعم لا إكراه في الدين، ولكن لا إكراه في الدين تعني أن من حق الإنسان أن يختار الدين الذي يعتنقه عن قناعة؛ فإذا اقتنع به امتنع عليه بعد ذلك الخروج عنه وإلا كان ساخرا مستهزئا أو داخلا للرغبة في الإفساد؛ كما حدث مع بعض اليهود الذين حكى Q تعالى عنهم قولهم: )وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ( (72/آل عمران).

ذلك أن اليهود استخرجوا حيلة في تشكيك ضَعفَة المسلمين في صحة الإسلام، وهي أن يظهروا تصديق ما ينزل على محمد e من الشرائع في بعض الأوقات، ثم يظهروا بعد ذلك تكذيبه؛ فإن الناس متى ما شاهدوا هذا التكذيب قالوا: هذا التكذيب ليس لأجل الحسد والعناد؛ وإلا لما آمنوا به في أول الأمر، وإذا لم يكن هذا التكذيب لأجل الحسد والعناد وجب أن يكون ذلك لأجل أنهم أهل الكتاب، وقد تفكروا في أمره واستقصوا في البحث عن دلائل نبوته فلاح لهم بعد التأمل التام والبحث الوافي أنه كاذب. فيصير هذا الطريق شبهة لضعفة المسلمين في صحة نبوته، وقيل: تواطأ اثنا عشر من أحبار يهود خيبر[3] على هذه الخطة.

وأما الفائدة في إخبار Q تعالى عن تواضعهم على هذه الحيلة فمن وجوه: (الأول) أن هذه الحيلة كانت مخفية فيما بينهم، وما أطلعوا عليها أحدا من غيرهم؛ فلما أخبر الرسول e عنها كان ذلك إخبارا عن الغيب فيكون معجزا. (الثاني) أنه تعالى لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لم يحصل لها أثر في قلوبهم؛ ولولا هذا الإعلان لربما أثرت في قلب من كان في إيمانه ضعف (والثالث) أن القوم كما افتضحوا في هذه الحيلة صار ذلك رادعا لهم عن الإقدام على مثلها.





الأمر بالهجرة إلى دار الإسلام



لماّ أصبحت المدينة المنورة قاعدة الإسلام، فقد أمر Q سبحانه المسلمين من أهل مكة وما حولها بالهجرة إلى دار الإسلام التي هي المكان الطبيعي الذي يستطيع أن يمارس فيه المسلم شعائر دينه، وأن يتعاون مع إخوانه المؤمنين لنصرة الإسلام، وشدد في هذا الأمر، وعدّه من الأمور التي لا يصح التقاعس عنها؛ إلاّ مع العذر الشديد؛ فقال جل شأنه: )إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(97) إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا(99) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( (97 – 100/النساء).

والظلم المشار إليه هنا هو المعصية؛ والمراد الذين أسلموا في دار الكفر، ولم يهاجروا إلى دار الإسلام. ومعنى قول الملائكة لهم (فيم كنتم) التوبيخ بأنهم لم يكونوا على شيء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا، فقالوا: كنا مستضعفين اعتذارا عمّا وبخوا به واعتلالا بأنهم ما كانوا قادرين على المهاجرة، ثم إن الملائكة لم يقبلوا منهم هذا العذر؛ بل ردوه عليهم فقالوا: (ألم تكن أرض Q واسعة فتهاجروا فيها) أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم، فبقيتم بين الكفار لا للعجز عن مفارقتهم؛ بل مع القدرة على هذه المفارقة؛ فلا جرم ذكر Q تعالى وعيدهم؛ فقال: (فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) أي مصيرهم في الآخرة جهنم كما أن مأواهم في الدنيا دار الكفر لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار. ثم استثنى فقال: "إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة" يعني لا يقدرون على حيلة ولا نفقة أو كان بهم مرض أو كانوا تحت قهر قاهر يمنعهم من تلك المهاجرة، ثم قال: (ولا يهتدون سبيلا) أي لا يعرفون الطريق ولا يجدون من يدلهم عليه. روي أن النبي e بعث بهذه الآية إلى مسلمي مكة، فقال جندب بن ضمرة لبنيه: احملوني؛ فإني لست من المستضعفين، ولا ممن لا يهتدون سبيلا وQ لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة، وكان شيخا كبيرا فمات في الطريق.

فإن قيل: كيف أدخل الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد؛ فإن الاستثناء إنما يحسن لو كانوا مستحقين للوعيد على بعض الوجوه؟ قلنا: سقوط الوعيد إذا كان بسبب العجز والعجز تارة يحصل بسبب عدم الأهبة، وتارة بسبب الصبا، فلا جرم حسن هذا إذا أريد بالولدان الأطفال، ولا يجوز أن يراد المراهقون فهم الذين كملت عقولهم لتوجه التكليف عليهم فيما بينهم وبين Q تعالى. ثم في هذا أيضا المبالغة في التحذير من ترك الهجرة وإيهام أنها لو استطاعها غير المكلفين لوجبت عليهم، والإشعار بأنه لا محيص لهم عنها البتة؛ بل تجب عليهم إذا بلغوا حتى كأنها واجبة عليهم قبل البلوغ لو استطاعوا.

ثم قال تعالى: (فأولئك عسى Q أن يعفو عنهم) وفيه سؤال وهو أن القوم لمّا كانوا عاجزين عن الهجرة، والعاجز عن الشيء غير مكلف به، وإذا لم يكن مكلفا به لم يكن عليه في تركه عقوبة؛ فلم قال: (عسى Q أن يعفو عنهم) والعفو لا يتصور إلاّ مع الذنب، وأيضا (عسى) كلمة الإطماع، وهذا يقتضي عدم القطع بحصول العفو في حقهم. والجواب عن الأول: أن المستضعف قد يكون قادرا على ذلك مع ضرب من المشقة، وتمييز الضعف الذي تحصل عنده الرخصة عن الذي لا تحصل عنده شاق ومشتبه، فربما ظن الإنسان بنفسه أنه عاجز عن المهاجرة، ولا يكون كذلك ولا سيما في الهجرة عن الوطن فإنها شاقة على النفس، وبسبب شدة النفرة قد يظن الإنسان كونه عاجزا مع أنه ليس كذلك؛ فلهذا المعنى كانت الحاجة إلى العفو شديدة في هذا المقام. والجواب عن الثاني: أنه في ذكر كلمة (عسى) هنا دلالة على أن ترك الهجرة أمر مضيق لا توسعة فيه حتى إن المضطر البين الاضطرار من حقه أن يقول: عسى Q أن يعفو عني فكيف الحال في غيره.

ثم قال تعالى: (وكان Q عفوا غفورا) وفي كلمة (كان) دلالة على أنه سبحانه كان كذلك في الأزل قبل خلق الخلق؛ ولمّا كان عفوه وغفرانه سابقا للخلق فهو عفو مطلق غير مقيد بحال، ولا يتوقف على التوبة منهم. وفي الآية إرشاد إلى وجوب المهاجرة من وضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة أمور دينه لأي سبب كان وفي الحديث: "لا تلبثوا بدار معجزة"[4] أي تعجزون فيها عن نيل حقوقكم أو اكتساب معاشكم أو التعبير عن آرائكم. وروي عنه e أنه قال: "أنا بريء من كل مسلم، يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول Q لم؟ قال: "لا تتراءى ناراهما".[5] قال أبو عبيد فيه وجهان: أحدهما: أنه لا يحل لمسلم أن يكون في بلاد المشركين؛ فيكون كل واحد منهما بقدر ما يرى نار صاحبه؛ والوجه الآخر أنه أراد نار الحرب يقول: ناراهما مختلفتان: هذه نار تدعو إلى Q وهذه تدعو إلى الشيطان؛ فكيف يتفقان؟ وكيف يساكنهم في بلادهم وهذه حال هؤلاء وحال هؤلاء؟. وفي الحديث: "من فر بدينه من أرض إلى أرض استوجبت له الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد". وقال الحدادي في تفسيره في قوله تعالى (ألم تكن أرض Q واسعة فتهاجروا فيها) دليل على أنه لا عذر لأحد في المقام على المعصية في بلده من أجل المال والأهل والولد؛ بل ينبغي أن يفارق وطنه إن لم يمكنه إظهار الحق فيه. وأما قوله e: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا".[6] فالمقصود به لا هجرة من مكة بعد الفتح؛ فقد صارت مكة بيضة الإسلام ولم تعد دار كفر والهجرة مفروضة من دار الكفر إلى دار الإسلام لا العكس. والدليل على ذلك قوله e: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".[7]

قوله تعالى: )وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(. فيه رد للدواعي المانعة للهجرة وهي أمران: الأول: أن يكون له في وطنه نوع راحة ورفاهية، فيقول لو فارقت الوطن وقعت في الشدة والمشقة وضيق العيش؛ فأجاب Q عنه بقوله: (ومن يهاجر في سبيل Q يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) يقال: رغمت الرجل إذا فعلت ما يكرهه واشتقاقه من الرغام وهو التراب؛ فإنهم يقولون: رغم أنفه يريدون به أنه وصل إليه شيء يكرهه، وذلك لأن الأنف عضو في غاية العزة، والتراب في غاية الذلة فحملوا قولهم: رغم أنفه كناية عن الذل. ولهذه المراغمة وجهان: أحدهما: أنهم لمّا فارقوا أوطانهم وخرجوا عن ديارهم، فقد خرجوا بذلك عن تسلط المتسلطين عليهم. وثانيهما: أن من يهاجر إلى بلد آخر يجد فيه من الخير والنعمة ما يكون سببا لرغم أنف أعدائه الذين كانوا معه في بلده، وذلك أن من فارق بلده وذهب إلى بلد آخر إذا استقام أمره في ذلك البلد ووصل الخبر إلى أهل بلده خجلوا من سوء معاملتهم معه ورغمت أنوفهم بسبب ذلك. كأنه قيل: يا أيها الإنسان إن كنت تكره الهجرة عن وطنك خوفا من أن تقع في المشقة والمحنة في السفر؛ فلا تخف فإن Q تعالى يعطيك من النعم الجليلة، والمراتب العظيمة في مهاجرتك ما يصير سببا لرغم أنوف أعدائك، ويكون سببا لسعة عيشك؛ وإنما قدم في الآية ذكر رغم أنف الأعداء على ذكر سعة العيش؛ لأن ابتهاج الإنسان الذي يهاجر عن أهله وبلده بسبب شدة ظلمهم عليه بدولته من حيث إنها تصير سببا لرغم أنوف الأعداء، أشد من ابتهاجه بتلك الدولة من حيث إنها صارت سببا لسعة العيش عليه.

وأما المانع الثاني: من الإقدام على الهجرة فهو أن يقول المرء إن خرجت عن بلدي في طلب هذا الغرض، فربما وصلت إليه، وربما لم أصل، فالأولى ألا أضيع الرفاهية الحاضرة بسب طلب شيء ربما يتحقق وربما لا يتحقق؛ فأجاب Q تعالى عنه بقوله: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى Q ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على Q) أي أن من قصد طاعة Q ثم عجز عن إتمامها كتب Q له ثواب تمام تلك الطاعة؛ كالمريض يعجز عما كان يفعله في حال صحته من الطاعة؛ فيكتب له ثواب ذلك العمل، هكذا روي عن رسول Q e ولذلك جاء في الحديث: "نية المؤمن خير من عمله"[8] وكذلك قوله e: "وإنما لكل امرئ ما نوى".[9] وما روي في قصة جندب بن ضمرة أنه لما قرب موته أخذ يصفق بيمينه على شماله، ويقول اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، ثم مات فبلغ خبره أصحاب النبي e فقالوا: لو توفي بالمدينة لكان خيرا له فنزلت هذه الآية. ثم قال تعالى: (وكان Q غفورا رحيما) أي يغفر ما كان منه من القعود إلى أن خرج ويرحمه بإتمام أجره.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




من أسس الاجتماع السياسي الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسس الاجتماع السياسي الإسلامي   من أسس الاجتماع السياسي الإسلامي Icon_minitimeالسبت مايو 10, 2008 5:27 pm

\
/
\
/
\
/
\

مشكوور.ـ ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من أسس الاجتماع السياسي الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
دلع الامارات :: 
..•[منتدى العام]•..
 :: ¬°•| منتدى الاسلامي والاناشيد والصوتيان |•°¬
-
انتقل الى: